لم يتوقف العدو الاسرائيلي عن ترهيب المستشفيات في قطاع غزة وكأنها الهدف المركزي له. فالعدوان المستمر على القطاع الصحي منذ 36 يومًا، إن كان بالقصف أو بمنع وصول الحاجات الأساسية اليه، أدى إلى انهيار هذا القطاع. جيش العدو الاسرائيلي دمّر حتى اليوم ثلث المستشفيات وثلثي مراكز الرعاية الأولية في القطاع بحسب حصائيات الأمم المتحدة. وحتى يوم أمس، ، قتل جيش العدو أكثر من 175 من أفراد الطواقم الطبية، وقصف 62 مركزًا صحيًا، واستهدف أكثر من 50 سيارة إسعاف ما أدى إلى تعطيل 28 منها، فضلًا عن اخراج 16 مستشفى من أصل 35 و51 عيادة من أصل 72 من الخدمة بشكل كامل. وفي حين تناشد وزارة الصحة الفلسطينية الدول المساعدة لتحصيل احتياجات 5400 جريح، لا سيما المتعلقة بجراحة العامود الفقري والوجه والفكين والعظام، يهدد جيش الاحتلال المستشفيات ويدعو الى اخلائها فوراً. علماً ان ذلك غير ممكن. إذ ان الاخلاء يعرّض حياة العديد من المرضى الذين يعتمدون على العلاجات الكهربائية والتنفس الاصطناعي للخطر، ولا يوجد مكان آمن في غزة المحاصرة، فالى اين يذهب آلاف الجرحى وعشرات آلاف الهاربين من القصف والموت والدمار؟
تتصاعد وتيرة التحريض على المستشفيات في الوسط الاسرائيلي، في وقت يستعين جيش الاحتلال بفنون التضليل والأكاذيب لتبرير قصفه الوحشي للمنشآت الصحية عبر الادعاء بأن عناصر لحركة «حماس» يستخدمون المستشفيات مراكز لهم. وقد طلبت وزارة الصحة الفلسطينية وإدارة مستشفى الشفاء في غزة حضور مراقبين دوليين الى المستشفى للتأكد من عدم وجود أي مركز او مكتب او مقرّ لحركة حماس او لأي فصيل فلسطيني مقاوم آخر في المستشفى. وكان الطبيب النروجي الذي يعمل في المستشفى منذ 16 سنة مادس جيلبيرت قد أكّد زيف هذه الادعاءات مؤكداً أنه «لا يوجد أي أساس لهذه المزاعم» (راجع «القوس»، عدد 4 تشرين الأول الجاري).
ورغم انكشاف الكذبة الإسرائيلية بشأن وجود مركز لـ«حماس» في المستشفى، نشر نحو 90 طبيبًا إسرائيليًا رسالة بعنوان «أطباء من أجل حق جنود جيش الدفاع الاسرائيلي» طالبوا فيها الجيش الإسرائيلي بقصف «جميع» المستشفيات في قطاع غزة، واعتبروا ذلك مشروعًا لـ «وجود شكوك بممارسات إرهابية» فيها. وخلصت الرسالة بوقاحة إلى ان «مواطني غزة وأطفالها هم الذين جلبوا الفناء لأنفسهم». ولا بد من ان نشير هنا الى وجوب ان يبقى أي طبيب «بعيدًا عن جميع أعمال الظلم المتعمَّد، وجميع الإساءات» كما جاء في قسم ابقراط. لكن يبدو جلياً اليوم ان الإسرائيليين هم مستوطنون مقتنعون بأنهم «شعب الله المختار» وضحايا «الهولوكوست»، وبالتالي يمكنهم ان يقوموا بما يحلو لهم، وليسوا ملزمين باحترام القانون والاتفاقيات الدولية والمعايير الأخلاقية والحقوقية والأصول المهنية.
استهداف متعمّد
يضم قطاع غزة 35 مستشفى، منها 14 حكومية هي بيت حانون (خارج عن الخدمة)، الاندونيسي، محمد الدرة (خارج عن الخدمة)، مجمع الشفاء، ناصر للعيون، الطب النفسي، ناصر للأطفال، ناصر التخصصي للأطفال، الحرازين، الأقصى، نصر، الأوروبي، الهلال الاماراتي، أبو يوسف النجار. وتعرضت هذه المستشفيات، إلى جانب المستشفيات الأهلية التي يبلغ عددها 11 و3 مستشفيات عسكرية أخرى، للاعتداءات بوتيرة متفاوتة.
استشهد ذووهم
على مواقع التواصل الاجتماعي، انتشرت العديد من المقاطع المصورة التي تظهر أطباء وممرضين يقومون باسعاف الجرحى ليفاجأوا وسط الفوضى والضغط النفسي والجسدي بأن أولادهم وعائلاتهم من بين المصابين. مشاهد لكثرة سورياليتها يحسبها الشخص مشهدًا من فيلم درامي، لكن استمرار الاحتلال بقتل عوائل العاملين في القطاع الصحي، ومنهم عائلة الطبيب نصر التتر بعد استهداف منزله، تلخصه جملة الصحافي وائل الدحدوح الذي قتل الإسرائيليون ذويه «بينتقموا منا في الولاد..معلش».
القدرة الاستيعابية للمستشفيات
لم تكن القدرة الاستيعابية لعدة مستشفيات في قطاع غزة كافية للمرضى قبل الحرب. فبحسب نظام مراقبة توافر الموارد والخدمات (هيرامس)، بلغ عدد الاسرّة في قطاع غزة قبل العدوان 3151 سريرًا في 11 مستشفى منها: الأقصى، الهلال الاماراتي، الشفاء، الأوروبي، الدرة، ناصر، العيون، الطب النفسي. وبلغ مجمل عدد الأطباء 1500 (900 صحة عامة، و600 متخصصون)، أما الممرضون فبلغ عددهم 2,800 وهي نسب تغطي 15% من حاجة السكان لا غير. فالقدرة الاستيعابية لمستشفى التركي المخصص لمرضى السرطان، مثلًا، بلغت قبل العدوان 345 بينما هناك حوالي 2000 مريض سرطان في غزة. أما وقد توقف المستشفى عن الخدمة، فهناك المئات ممن سيتركون لأقدارهم.
يواجه مجمع الشفاء الطبي ضغطًا هائلًا. بحسب وزارة الصحة الفلسطينية. فهو يعمل بما يفوق بأضعاف طاقته الاستيعابية ويكاد لا يغطي سوى 30% من الاحتياجات اللازمة، وهو يشغل حاليًا أقسام الطوارئ والجراحة والكلى والعناية المكثفة وحاضنات الأطفال فقط، فيما يوجد 50 ألف نازح داخل المجمع الذي يتعرض لقصف دائم وفي محيطه.
في غزة وجنوب لبنان
استهدف العدو 50 سيارة إسعاف في قطاع غزة حتى يوم أمس بحسب وزارة الصحة الفلسطينية مما أدى إلى تعطيل 28 منها بشكل كامل. وفي صباح 5 تشرين الثاني، استهدف جيش الاحتلال سيارتي إسعاف تابعتين لكشافة الرسالة الاسلامية في بلدة طيرحرفا في جنوب لبنان أثناء توجههما لنقل جريح، فأصيب 4 مسعفين بجروح. وفي مساء اليوم نفسه، استهدف العدو سيارة مدنية على طريق عيناثا - عيترون ما أدى إلى استشهاد ثلاث فتيات وجدّتهن.
جيفارا: مكاني معكم في غزة
إلى أي يحد يستطيع الطبيب أن يستمر بالعمل؟ هو السؤال الذي لا يخرج من العقل كلما فكر الشخص بحجم الضغط الواقع على الأطباء، والذي تسعى وزارة الصحة الى تخفيفه بفتحها باب التطوع. ففي الأونة الأخيرة، انتشرت صورة تظهر ألبسة طبية زرقاء معلقة على الشرفات، وفي التفاصيل أنها تعود لمستشفى الشفاء الطبي الذي يضطر أطباؤه الى غسل الملابس ونشرها كل يومين للتعقيم بسبب الضغط الهائل الذي يتعرض له الجسم الطبي. واقع أظهر له أطباء العالم الاحترام والتقدير والتضامن، من بينهم الطبيبة أليدا تشي جيفارا، التي وجهت رسالة إلى الأطباء العرب قائلة «نحن بعيدون أميالاً، ولكنكم هناك، اليوم يحدث هذا مع غزة، وغدا على من يأتي الدور؟ أنا آسفة لعدم تواجدي في غزة، أعتقد أن هناك مكاني، فالتضامن لا يكون بالأقوال، التضامن بالفعل».
وقد ارتفع عدد الضحايا بشكل سريع ورهيب اذ بلغ 10966 شهيداً واكثر من 28000 جريحاً (حتى يوم 9-11-2023) معظمهم من الأطفال والنساء والعجّز.
وناشد أمس مدير مستشفى النصر الدكتور مصطفى كحلوت الصليب الأحمر الدولي المساعدة على اخلائه واخلاء ما يقارب 100 طفل مريض من مستشفى الرنتيسي التخصصي للأطفال بعد ان حاصرتها دبابات العدو الإسرائيلي. وقال كحلوت ان الدبابات تستهدف كل من يدخل او يخرج من المستشفى، وأضاف "حتى لو لم يقصف الجيش الإسرائيلي المستشفى قد يموت المرضى بسبب النقص الحاد في مقومات الحياة، فلا كهرباء ولا مياه ولا ادوية".
أين الصليب الأحمر الدولي؟
مهندس عمل في بناء مستشفى حمد لـ«القوس»
الفتحة في الأرض لخزّان مياه