غضب الطبيب النروجي مادس غيلبرت لدى سؤالنا عن الخطر الذي يحيط بمستشفى الشفاء الذي يعمل فيه منذ 16 سنة، وقال بانفعال: «ما يحصل أكبر بكثير من التمهيد لقصف مستشفى واحد». وصرخ: «هذا الضخ الإعلامي العالمي الكبير تجاه التصريحات المنذرة بوقوع مجزرة جديدة في مستشفى الشفاء ما هو إلا محاولة لصرف النظر وتشتيت الإعلام عن الإبادة المستمرة لشعب قطعوا عنه الوقود وسبل التغذية والمياه والاتصالات».
وسائل الإعلام، بحسب غيلبرت، «جميعها صبّت إهتمامها للحديث عن مستشفى الشفاء بعد تصريحات العدو بقصف المستشفى، بينما في هذه اللحظة تحديدًا التي نجري فيها المقابلة عبر تطبيق "زوم" من بيروت إلى القاهرة، هناك مئات من الناس يجري ذبحهم». ولدى سؤالنا عن السبب الذي يجعل من مستشفى الشفاء ضمن بنك أهداف الاحتلال عبر الإعلام، قال غيلبرت إن ما يحصل ليس محاولة للقضاء على المقاومة الفلسطينية فحسب، «ولكنها محاولة للتوسع في المشروع الاستعماري، وهدفهم في هذه اللحظة هو تسطيح قطاع غزة ومحو المعالم الأساسية فيه، والشفاء واحد منها». وشدّد الطبيب النروجي على زيف الادعاءات بوجود قيادة أسفل المستشفى، قائلًا: «طوال هذه السنوات أقوم بالتجول في المستشفى بحرية، وألتقط الصور ومقاطع الفيديو بحرية، ولا يوجد أي أساس لهذه المزاعم»، طالبًا من نتنياهو تقديم دليل ملموس لأن «الاسرائيليين يستطيعون الكشف بالأشعة السينية عن القطاع كله، فأين الدليل؟».
مزاعم العدو لتبرير قصف المستشفى
الحديث عن استهداف مستشفى الشفاء بدأ قبل إعلان جيش العدو نيته قصفه في 27 تشرين الاول الماضي. فقد صرح رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق ايهود باراك، في مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) أن الإسرائيليين «مصممون على قصف المستشفى وسيفعلونها». وعندما اخبره المحاور أنه لا يقيم بهذه الطريقة اعتبارًا لأي معايير انسانية، استدرك قائلًا: «نعدكم أننا لن نقصف المستشفى وفيه مرضى»». أما رئيس الموساد السابق داني ياتوم فقد ادعى عبر الاعلام العبري «أن حماس تستعمل مستشفى الشفاء كدرع بشري، يجب تدمير المستشفى للوصول إلى القاعدة العسكرية».
وفي 27 تشرين الاول الماضي، ظهر المتحدث باسم الجيش الاسرائيلي في مقطع مصور يستعمل فيه رسومات توضيحية للقاعدة العسكرية التي يزعم انها موجودة أسفل المستشفى قائلًا: «لن نستطيع أن نعطيكم المادة الأساسية، هذه رسوم توضيحية. الآن المخربون يتحركون بحرية في المستشفيات». وإلى جانب «الدليل المخفي»، يعتمد الاسرائيليون في إدعاءاتهم على مقطع صوتي يقول فيه أحد الأشخاص إن «مجمع الشفاء هو مقر القيادة الرئيسي».
وليست هذه المرة الأولى التي يستعمل فيها الاحتلال مقطعًا صوتيًا كدليل، فقد عمد إلى التمهيد لقصف المستشفى الأهلي بدليل صوتي تبين زيفه لاحقًا. أما في مواقع التواصل الاجتماعي، فقد ظهرت مواقف مساندة في الوسط الاسرائيلي لقصف المستشفى، من بينها عريضة وقّعها 50 حاخاماً «تفتي» بقصف المستشفى، إضافة إلى مقطع مصور انتشر بشكل واسع لطبيب إسرائيلي مجند ظهر مع والدته التي قالت «يجب قصف مستشفى الشفاء وجميع المستشفيات الفلسطينية».
خنق المستشفيات
كسائر المستشفيات الصامدة في القطاع، يلجأ عدد كبير من النازحين إلى مستشفى الشفاء وجواره ليكونوا على مقربة من المكان الذي سينقلون اليه اذا أصيبوا. وظهرت عدة مقاطع فيديو في وسائل الاعلام تظهر اكتظاظًا للنازحين المدنيين والمرضى في باحات المستشفى وممراته.
«الشفاء» هو المجمع الطبي الحكومي الأكبر في قطاع غزة ويضم 3 مستشفيات تخصصية للجراحة والباطنة والنساء والتوليد، وتبلغ قدرته السريرية 564 سريرًا. ويعاني المستشفى حاليًا من شح بالغ في الموارد، وقد أطلق الأطباء فيه أكثر من نداء استغاثة، فالمستشفى بحسب تقرير نشر في 25 تشرين الاول على المحك نتيجة قلة الموارد والضغط الهائل.
مع وقود قد يكفي فترة قصيرة، يعمل مستشفى الشفاء اليوم على مولد كهربائي واحد بسبب قطع الكهرباء عن غزة، في حين أن أغلب العلاجات فيه تعتمد على التيار الكهربائي. فعدد كبير من المرضى يعيشون على التنفس الاصطناعي، من بينهم 65 طفلاً في قسم حديثي الولادة الذي يحتوي على 40 حاضنة فقط. وهو يفتقر للأدوية الأساسية، فالعمليات الجراحية تجرى من دون تخدير، فضلًا عن تناقص المواد التي يحتاجها المستشفى لتشغيل الآلات الطبية مثل الهيموسول وبيكاربونات الصوديوم.
إحصائيات وزارة الصحة الفلسطينية في 30 تشرين الأول تشير إلى أن الاحتلال قام خلال الـ 24 ساعة الماضية بقتل 8530 شهيدًا، 3544 من الأطفال و 2189 من النساء وأن مجموع العائلات التي على الأقل فقدت 2 من أفرادها هو 926 عائلة. كما قام الاحتلال بقصف 57 مرفقًا طبيًا ما أدى إلى استشهاد 130 من أفراد الطاقم الطبي، وقد حظي مستشفى الشفاء بأكبر نسبة من الشهداء (48.4%) مقارنة بالمستشفيات الأخرى في القطاع مثل مستشفى ناصر (4.1%) والأقصى (28.1%) والمستشفى الأندونيسي (19.4%).
متابعة الأوضاع في مستشفى الشفاء لا تعني اهمال التركيز على مجزرة جباليا أو قصف محيط مستشفى القدس حيث القتل والالم والمعاناة بالوتيرة نفسها. في حين تستمر بعض الدول مثل فرنسا وبريطانيا وإيطاليا والولايات المتحدة وكندا واليابان وأستراليا بمنع صدور قرار وقف اطلاق النار عن مجلس الأمن الدولي. وتشجّع ذلك جيش العدو الإسرائيلي، وتبرّر له الاستمرار في قصف المستشفيات واستهداف الإسعافات والطواقم الطبية والصحافيين لمنعهم من نقل مشاهد المجازر الى العالم.