يكثر الكلام وتتعدّد التصريحات والخطابات عن الافلات من العقاب في لبنان، وعن زيادة نسب تكرار الجريمة، وعن فشل الشرطة وعجز القضاء وفساد الإدارة. والعجيب في الامر ان بعض هذه التصريحات يصدر عن سياسيين ووزراء سابقين ونواب يتحمّلون جزءاً من مسؤولية عدم الاهتمام الجدي بإصلاح السجون، وتحويلها الى مؤسسات إصلاحية تعيد تأهيل المحكومين، وتساهم في تصحيح سلوكهم الجنائي. عام 2012، قرّر مجلس الوزراء استحداث «مؤسسة عقابية» متخصصة في إدارة السجون تابعة لوزارة العدل، ولكنها لم ترَ النور. فما قصة هذه المؤسسة وما أهميتها؟
مرت عشر سنوات على قرار مجلس الوزراء (المنعقد في السراي الكبير في 7 آذار 2012) استحداث مؤسسة عقابية متخصصة في إدارة السجون تابعة لوزارة العدل، من دون ان تقدم الدولة على أي خطوة جدية في هذا الاتجاه. صحيح ان المسؤولين في الدولة يبدون اهتماماً بأوضاع السجون ويعقدون مؤتمرات واجتماعات لهذا الشأن، غير ان اهتمامهم يبقى أشبه بالقرار الذي أصدره مجلس الوزراء منذ عقد من الزمن: حبر على ورق.
في موازاة ذلك، تتزايد المشكلات والتحديات في السجون يوماً بعد يوم. ومع تفاقم الازمة الاقتصادية تتقدم العديد من الأولويات على أولوية اصلاح السجون. ولكن مع ارتفاع عدد الموقوفين والمحكومين، وبالتالي ارتفاع نسبة الاكتظاظ في أماكن معظمها لا يتناسب مع ادنى المعايير الحقوقية والقانونية، تزيد معدلات الجريمة وانتشارها، ويتطوّر السلوك الجنائي ويتعاظم. فالسجون في لبنان باتت «معاهد تدريب» على ارتكاب الجرائم وأماكن للتجمع والتنسيق والتجنيد والتخطيط لمزيد من الجرائم، ولا بد من إصلاحها لتتمكن من المساهمة في تصحيح السلوك الجنائي وخفض مستوى الجريمة.
خطة نقل السجون الى وزارة العدل
كان قد وافق مجلس الوزراء منذ 10 سنوات، على اعتماد خطة مدتها خمس سنوات وضعتها لجنة مشتركة بين وزارتي الداخلية والعدل بتاريخ 29-11-2011. ومن المفيد التذكير بأهم ما ورد فيها ولم يطبق، لأنها تشكل السبيل العملي لمعالجة كل مشاكل السجون.
وتتضمن الخطة:
استحداث مؤسسة عقابية متخصصة في إدارة السجون تابعة لوزارة العدل تحدد فيها الهيكلية والربط الإداري بينها وبين مديرية السجون مع الاخذ بعين الاعتبار الجانب العملي لمصلحة الاحداث في وزارة العدل، على ان تلحظ لها ميزانية خاصة، وتضم في هيكليتها مجلس إدارة من مختلف الاختصاصات المرتبطة بالسجون، من ممثلين عن الوزارات المعنية في ما خص التأهيل الصحي والتربوي والاجتماعي (الصحة العامة، التربية والتعليم العالي، الشباب والرياضة والشؤون الاجتماعية ووزارة الداخلية والبلديات من خلال المديرية العامة لقوى الامن الداخلي)، والتي ستتيح التعاقد مع الأكثر كفاءة وفقاً لسلسلة رواتب ونظام عمل يتلاءم والمهام المطلوبة لادارة السجون.
وضع وزارة العدل مشاريع النصوص التنظيمية والتطبيقية المتعلقة بالمؤسسة العقابية لا سيما ما يتعلق بهيكليتها وتحديد ملاكات ومهام وصلاحيات موظفيها ووضع مشاريع أنظمة السجون الداخلية.
تطوير المرسوم رقم 14310 الصادر بتاريخ 11-2-1949 (تنظيم السجون وأمكنة التوقيف ومعهد اصلاح الاحداث وتربيتهم) لا سيما ما يتعلق منه بمهام وصلاحيات موظفي السجون من اداريين وفنيين ومراقبين، ووضع مشاريع الأنظمة الداخلية بغية تأمين حسن سير العمل بشكل يتماشى والمعايير الدولية المعتمدة لناحية معاملة السجناء.
وكذلك تخصيص جزء من موازنة وزارة العدل السنوية لمتطلبات عملية نقل صلاحية إدارة السجون من وزارة الداخلية الى وزارة العدل بدءاً من موازنة العام 2012 على ان يصار في مرحلة لاحقة الى وضع جدول زمني يحدد الموارد البشرية والمالية المناسبة بغية ترجمة الخطة المرتقبة عملياً على ان لا يتعدى هذا الجدول الخمس سنوات لعملية النقل.
خطوات مؤجلة لعشر سنوات
كان يفترض البدء بالسير في خطة لإدارة السجن المركزي في رومية كمرحلة أولية، وتحديداً في مبنى المحكومين، تتبعها لاحقاً باقي المباني بما فيها جناح الاحداث ومركز التأديب المعني بالقاصرات في ضهر الباشق وسجن النساء في بعبدا وذلك ضمن فترة سنتين. وتتبعها بعد ذلك باقي السجون المركزية المرتقب استحداثها فور استكمال اعمال البناء والتجهيزات الضرورية ضمن خطة زمنية لا تتعدى الخمس سنوات. لكن اللافت ان الخطة لا تشمل السجون التي تقع ضمن حرم الثكنات العائدة لقوى الامن الداخلي وفي السرايات الموجودة في المحافظات.
لحظت الخطة العمل التدريجي والعملي عند المباشرة بعملية نقل لإدارة أي سجن من عهدة وزارة الداخلية والبلديات الى عهدة وزارة العدل بدءاً بتأمين التغذية والخدمات الصحية والاجتماعية والتربوية على أن تستتبعها وظائف المراقبة الداخلية والإدارة ومباشرة وزارة العدل بتكليف الموظفين المرتقبين للعمل في الأقلام العدلية في السجون.
كما ورد في الخطة مشروع بناء سجنين أحدهما في الشمال والثاني في الجنوب (عملاً بأحكام القانون رقم 172 تاريخ 29-8-2011: فتح اعتماد في موازنة العام 2011 لإنشاء أبنية سجون في منطقتي الشمال والجنوب). علماً ان اعمال بناء السجنين توقفت منذ سنوات ولا توجد أي معلومات عن إعادة مباشرتها.
أما الموظفون المولجون بإدارة وتشغيل السجون فيجري تدريبهم في معهد الدروس القضائية (عملاً بقرار وزير العدل الصادر بتاريخ 3-12-2008) بالتنسيق مع مكتب الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة والمخدرات.
مدير متخصص
مجلس الوزراء كان قد وافق على تحديد كفاءات مدير المؤسسة العقابية منذ عشر سنوات من دون ان يصار الى تعيينه. وكلف مدير المؤسسة العقابية بالمهام التالية:
وضع الدراسات الآيلة الى رسم سياسة عقابية شاملة تماشياً مع النظريات العلمية الحديثة، ووضع آلية محددة المعايير في مسألة التوظيف وتحفيز من سيتولى الاتصال المباشر مع السجناء من أصحاب الخبرة والكفاءة بغية تشجيع الاقبال على هذه الوظائف.
تسهيل عملية تلزيم بعض المهام الملقاة على إدارة السجون لبعض القطاعات الخاصة وفق عقود او اتفاقيات محددة قابلة للتجديد تبعاً لنتائج تلك المهام وما ينشأ عنها من خدمات إيجابية (مثل تأمين الطعام واللباس ووسائل العيش للسجناء واستحداث مشاغل صناعية وحرفية) على أن تكون أولوية العمل للسجناء أنفسهم.
تأمين المراقبة والمتابعة لأوضاع السجون، وتشمل التدقيق في مدى تطابق نوعية الخدمات العقابية وخصوصيات أماكن الاحتجاز، ما يضمن سلامة الإجراءات المتبعة في ظل الازدياد المتنامي لأعداد المحكومين والموقوفين في تلك السجون.
التدخل الفوري في الحالات الطارئة، الامر الذي يتطلب مرونة وسرعة في اتخاذ القرارات وإيجاد الموارد الإضافية الضرورية.