«تلغى قاعدة التمثیل الطائفي ویعتمد الاختصاص والكفاءة في الوظائف العامة والقضاء والمؤسسات العسكریة والأمنیة والمؤسسات العامة والمختلطة وفقاً لمقتضیات الوفاق الوطني، باستثناء وظائف الفئة الأولى فیها وفي ما یعادل الفئة الأولى فیها، وتكون هذه الوظائف مناصفة بین المسیحیین والمسلمین دون تخصیص أیة وظیفة لأیة طائفة مع التقید بمبدأي الاختصاص والكفاءة». (المادة 95 من الدستور)
يعني ذلك، استناداً الى النص الدستوري، وبعيداً عن التشاطر والتذاكي في التفسير والتحليل والتبرير، ان «قاعدة التمثيل الطائفي» تطبّق في وظائف الفئة الأولى في الدولة بما في ذلك وظيفة رئيس مجلس القضاء الأعلى ووظيفة المدعي العام لدى محكمة التمييز ورئيس هيئة التفتيش القضائي وغيرها من الوظائف الأساسية في القضاء «المستقل». ولا احد في جمهورية الطوائف اليوم يسلّم بأن منصب رئيس مجلس القضاء الأعلى يمكن ان يتولاه قاض من غير الطائفة المتفق عليها مسبقاً. واذا طرح الامر فسيخضع لحسابات التبادل في نظام المحاصصة الطائفية حيث يتم استبدال تخصيص وظيفة لطائفة بتخصيص وظيفة أخرى للطائفة المقابلة. ويجهد اتباع الطوائف في الحفاظ على مصالح طوائفهم الفئوية.
صحيح ان مطلع الدستور يشير الى ان «القضاة مستقلون في إجراء وظیفتهم» (المادة 20)، لكن الا يقتضي ذلك تسميتهم بطريقة تتيح لهم الحفاظ على استقلاليتهم ومن دون ربطهم بـ«قاعدة التمثيل الطائفي»؟
يختلف البعض حول تفسير «قاعدة التمثيل الطائفي» التي يستثني الدستور وظائف الفئة الأولى من الغائها. فالتمثيل الطائفي بالنسبة للبعض لا يعني الانصياع لمرجعية الطائفة، بل - بحسب هؤلاء - ان مجرد انتماء القاضي للطائفة كفيل بجعل الطائفة ممثلة بحسب القاعدة. لكن هل يمكن ان يتولى القاضي المنصب المخصص لطائفته من دون ان يحافظ على مصالحها؟ ألن يعرضه ذلك لهجوم رجال الدين كما حصل مؤخراً؟
هل يعقل ان يفسّر نظام المحاصصة الطائفية فعلاً على انه نظام شراكة بين الطوائف لتحقيق المصالح المشتركة لجميع اللبنانيين؟ أبهذه السذاجة يمكن تبرير الطائفية المدمّرة لما تبقى من مؤسسات الدولة؟
بعد مراقبة سلوك البعض في مجلس القضاء الأعلى وفي الدوائر القضائية قد يتبين ان التفسير المناسب لـ«قاعدة التمثيل الطائفي» التي اتبعت في تحديد موظفي الفئة الأولى في القضاء يأتي في اطار تطوير الفنون المسرحية. كل قاض يقوم بتمثيل الدور الذي حُدد له في النظام الطائفي. وعلى خشبة مسرح القضاء الأعلى تتفاوت الابداعات الفنية في التمثيل الطائفي. ولا يعترف أي من القضاة بسعيه للحفاظ على مصالح الطائفة التي ينتمي اليها علماً ان تعيينه اتى عملاً بـ«قاعدة التمثيل الطائفي» كما جاء في نص الدستور. لكن صياغة الدستور لا تسمح بالتوقف عند هذا الحد. اذ اضيف الى النص الدستوري «مع التقید بمبدأي الاختصاص والكفاءة» في ما يشبه صيغة عقود التأمين. تلك العقود يوقّعها معظم الناس من دون ان يقرأوا مضمونها جيداً.
واليوم لن تسدل الستارة على المسرح، بل بات ممثلو الطوائف هم الجمهور الذي يشاهد عراكاً بين زوّار المسرح على مدخل قصر العدل.