عائلات «معلّقة في الهواء» على متن دراجات نارية. في الحوادث، من ينجو منها من الموت يخرج بكسور وجروح، أو بإعاقات وصدمات نفسية. الأزمة الاقتصادية الخانقة، وانهيار القوة الشرائية، وارتفاع كلفة صيانة السيارات وقطعها، لم تعد تسمح لشريحة واسعة من السكان في لبنان بشراء سيارة ولو «وفّيرة». ومع ارتفاع تعرفة المواصلات نتيجة الارتفاع الكبير في سعر صفيحة البنزين، وغياب النقل العام المنظّم، أصبح «الموتوسيكل» من وسائل الصمود أمام الأزمة، ووسيلة «رخيصة» للانتقال إلى العمل أو قضاء الحاجات اليومية. لكن المخاطر المرتبطة باستعماله يمكن أن تحوّله، ببساطة، من وسيلة نقل إلى وسيلة «قتل»
عباس سلمان
أم ورضيعها فارقا الحياة تحت دولاب شاحنة صدمت الدراجة النارية التي كانا على متنها، فيما أصيب الأب السائق بجروح بالغة. حدثت الفاجعة عندما كانت العائلة في طريقها الى عيادة طبيب الأطفال. خبرٌ يمكن أن يتكرّر يومياً مع ارتفاع أعداد من يلجأون إلى وسيلة النقل هذه.
تكفل المادة 13 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان حرية التنقّل لجميع الأفراد، لكن هذا الحق بات عبئًا على المواطن، مع تفاقم الازمة الاقتصادية وارتفاع أسعار المحروقات بشكل صاروخي، ما زاد من استعمال الدراجات النارية كوسيلة نقل أقل كلفة.
علماً أن الدراجة النارية تخضع للقوانين نفسها التي تسري على السيارات، من حيازة رخصة لقيادتها، والتسجيل في مصلحة السير، والتأمين الإلزامي، وحتى المعاينة الميكانيكية ورسومها.
صُمّم «الموتسيكل» (باللهجة الشعبية) لينقل شخصًا واحدًا، أو اثنين في حال كان مجهّزاً بمقعد خلفي خاص محكم الإثبات وبمسند قدم عند كل جهة، كما تنص المادة ٢٨٢ من قانون السير. اما على أرض الواقع، فالمشهد مغاير تماماً، حيث بات معتاداً رؤية عائلات بكامل أفرادها، بمن فيهم الرضّع، على متن الدراجات. ومع ان هذا المشهد ليس جديدًا، الا أنّه انتشر بكثرة في الآونة الأخيرة، ولم يعد يقتصر على العائلات الفقيرة.
محمد، مهندس اتصالات يسكن في الشويفات ويعمل في بيروت، يقول لـ«القوس» إنه اضطر إلى بيع خاتم ذهبي هدية زفافه لشراء دراجة نارية بعد أزمة المحروقات، «لأن بدّي معاشين لغطّي مصروف سيارتي، فيما أجرة المواصلات يوميًا لا تقل عن 200 ألف ليرة». وعن تنقّله مع عائلته على الدراجة يُجيب: «بعرف خطر، بس إذا بدي ضهّرهم بالسيارة أو آخدهم تاكسي رح إدفع 500 ألف ليرة. بيركبوا عالموتو وبصرف الـ 500 عليهم».
أمام بوابة حديقة عامة في صيدا، تترجّل عائلة من «فان» للركاب. إمرأة أربعينية تُمسك بيديها الاثنتين طفلين لم يتجاوزا الأربعة أعوام، وإلى جانبها زوجها وطفل في العاشرة تقريبًا، تتوسّل الحارس أن لا يُقفل الحديقة باكرًا: «الله يخلّيك حتى يحرز أجار الطريق يلّي دفعناه»، بعدما قطعت العائلة مسافة طويلة، ودفعت مبلغًا ضخمًا أجرة تنقلّها، للوصول إلى الحديقة التي تضمّ ألعاباً مجانية للأطفال. يجيب الرجل الذي يرافقها بصوتٍ منخفض: «كنّا رحنا على البحر بجدرا عالموتو»، من دون اعتبار لتعريض الأطفال للخطر من أجل أجرة الطريق.
«ما تسترخص بحياتك»
لم يهدأ حراك أصحاب الدراجات النارية في صيدا للمطالبة بإعادة السماح باستخدامها في المدينة والجوار، بعد قرار منعها إثر جريمة اغتيال القضاة الأربعة عام 1999. ويلاحظ وجود عدد كبير من الدراجات النارية في شوارع صيدا، رغم أن قرار المنع لا يزال سارياً. وفي هذا الشأن، يوضح مسؤول قطاع الدراجات النارية في جمعية «يازا» Yasa، ومدير النشاطات في النادي اللبناني للدراجات النارية، فؤاد الصمدي، بأنّ القوى الأمنية تغضّ النظر عن الدراجات النارية مؤقتًا بسبب الأزمة الاقتصادية الحالية.
ويقول: «نحن كجمعية، والنادي اللبناني للدراجات النارية، نُطالب بتطبيق آلية لسير الدراجات النارية في المدينة في هذا الوقت الاقتصادي الصعب، كآلية بين سائق الدراجة وبلدية صيدا مماثلة لتلك التي طُبّقت في بيروت سابقًا، عبر تقديم الأوراق الثبوتية المطلوبة للدراجة والسائق، ليُعطى بموجبها بطاقة ترخيص من البلدية تسمح له بالسير قانونيًا، وبهذا نكون قد حلّينا أزمة سير الدراجات، في وقت كل اللبنانيين في أمسّ الحاجة إلى وسيلة نقل رخيصة».
واقترح الصمدي إعفاء الدراجات النارية التي تراكمت عليها دفعات الميكانيك لعدة سنوات، ليستطيع المتخلّف تسجيل دراجته والسير بشكل قانوني على الطرقات، لعدم قدرة كثيرين على دفع المبالغ المتراكمة.
وحول الاستياء من الحملة الأخيرة للقوى الأمنية واحتجازها عدداً كبيراً من الدراجات المخالفة، قبل أن تتراجع بعدها بقرار من الوزير بفكّ الحجز. يقول الصمدي: «لم يعد يوجد تشديد حاليًا، فالكثير من الدراجات النارية بلا نُمر بسبب إقفال النافعة منذ أكثر من شهرين». فكيف تعني المطالبة بتوقيف الدراجات النارية المخالفة لقانون السير إذا كانت مصلحة تسجيل السيارات مقفلة؟ هنا تظهر الفجوة بين التزام الدولة بتطبيق قانون السير على المواطنين، بينما هي عاجزة على توفير مقوّمات تطبيقه.
عائلة على دولابين
حول ظاهرة «العائلة على دولابين»، التي زادت أخيراً مع اقتناء كثيرين دراجة الـ "Part CG 150"، التي تتّسع لركّاب إضافيين، عدا عن أنّها رخيصة الثمن. يؤكد الصمدي أن «الحد من هذه الظاهرة يجب أن يكون من أولويات الدولة في الوقت الحالي، وعليها أن تخلق شبكة تنقّل شبه مجانية على كافة الأراضي اللبنانية، ومن الممكن أن يتم ذلك بالتعاون مع البلديات، كي لا تكون العائلات الكبيرة مجبرة على لركوب الموتوسيكل بشكل غير مقبول قانونيًا ولا حتى إنسانيًا، فقط لتوفير كلفة النقل».
الخوذة ليست للزينة
يُحظر قانون السير في المادة 18على سائقي الدراجات الآلية قيادة الدراجات من دون إعتمار خوذة واقية مربوطة بإحكام، تقيهم الصدمات أثناء القيادة، تُحدّد مواصفاتها بقرار يصدر عن وزير الداخلية والبلديات.
ويُشدد الصمدي على أهمية عدم التساهل في موضوع الخوذة، خصوصاً أنّ الناس في الأزمة يبحثون عن الأرخص، ويقول: «ما تسترخص بحياتك" مشيرًا بأن الخوَذ التي يتراوح سعرها بين 5 و10 دولارات هي للزينة فقط، كي يمرّ بشكل قانوني على مرأى من القوة الأمنية ويسلم من الضبط، لكنه لن يسلم لاحقًا! مؤكدًا بأن الخوذة يجب أن تكون D.O.T أي مطابقة للمواصفات العالمية لتحمي الفرد بنسبة 95% في حال وقوع أي حادث.
وبعد جولة على عدة محال تجارية كبيرة في بيروت وضواحيها مخصصة، أكدّ أصحابها بأن أسعار الخوَذ التي تحمي السائق في حال أي إصابة تترواح بين 75 و150 دولاراً، وقد يصل بعضها إلى 300 دولار بحسب المواصفات. وعن إمكانية الحصول على خوذة بسعر أرخص ونوعية جيدة، أجاب أحد أصحاب المحال: «أقل من هيك سعر، بتوقع عالأرض بتنكسر وبيموت صاحبها».
نساء يتحدّين العادات
كثرت أخيراً رؤية النساء يتحدّين العادات ويستخدمن الدراجات النارية للمواصلات، باعتبارها أنّها وسيلة أسهل وأقل كلفة. كانت أزمة المحروقات المحفّز الأساسي لتعلّم نور (26 سنة) قيادة الدراجة النارية، بعد تخلّفها عن الحضور إلى عملها محاسبة في أحد المطاعم بسبب انقطاع البنزين وانتظارها الطويل في طوابير المحطات، وكذلك بسبب التعرفة العالية التي كان يطلبها بعض سائقي التاكسي مستغّلين الأزمة. تقول نور لـ«القوس» إنها اشترت دراجة صغيرة، مع خوذة شبه جديدة من متجر لبيع المعدّات المستعملة، رغم معارضة أهلها الذين يعتبرون بأنّ قيادة الدراجات حكر على الشباب. وتُضيف: «عم أوصل على شغلي بوقت أسرع وكلفة أوفر»، مشيرة إلى أنّها بذلك أيضًا تتفادى المضايقات التي قد تتعرض لها في سيارة الأجرة. كذلك دفعت الأزمة رنا كرزي إلى ابتكار فكرة خلقت تفاعلًا على وسائل التواصل الاجتماعي، بعد أن نشرت على الفيسبوك صورًا لمهنتها الجديدة الـ«موتو تاكسي» لنقل النساء حصرًا داخل بيروت.
أوتوكار «عالموتو»
لم تقتصر أفكار «الموتو تاكسي» على نقل الأفراد إلى أعمالهم، بل نشطت في العام الدراسي الفائت ليُصبح الموتوسيكل «أوتوكار» لنقل الطلّاب بسعر أقل من كلفة النقل بحافلات المدارس، وشوهدت أعداد كبيرة من الدراجات النارية على متنها أطفال بزيّهم المدرسي وحقائبهم من دون أي مراعاة لسلامتهم.
يقول والد أحد الطلاب: «كنت مجبرًا على أن طلب من صديقي بنقل ابنتيّ إلى المدرسة على دراجته مقابل بدل مادي، رغم معرفتي بالمخاطر التي قد تنتج عن ذلك، لكنّني لم أكن أملك حلًا، فمعاشي لا يكفي ثمن صفيحة بنزين كل يوم. كان عليّ أن أختار بين قسط المدرسة أو الأوتوكار». وأضاف: «لا قدرة لدي لشراء خوذتين لهما، لكنّني في الشتاء استطعتُ تأمين ملابس خاصة (بانشو) تقيهما من المطر».
أهمية تأمين الدراجات الآلية
■ تأمين المسؤولية تجاه الأضرار الجسدية والمادية:
يغطّي قيمة الأضرار التي لحقت بالمركبات الأخرى، والممتلكات العامة (الأسوار، إشارات المرور..)، كذلك إصابات السائقين الآخرين؛ الدراجة الآلية والركّاب.
■التأمين الشامل والذي يوفّر تغطية على مستوى أوسع، بما في ذلك:
تغطية الأضرار الناجمة عن السرقة، التخريب، السطو بالقوة، وحتى الأضرار الناجمة عن العواصف أو الحرائق أو أي كارثة طبيعية أخرى. والأهم من ذلك؛ التغطية الطبية التي تتكفّل بمصاريف العلاج الطبي (للسائق والركّاب) بعد وقوع الحادث.
كذلك يُطلب الأخذ بعين الاعتبار "المسؤولية تجاه الركّاب" في حال اصطحاب شخص آخر على متن الدراجة، وتأمين المسؤولية تجاههم.
«مش اوفر بكتير»...
«بطّل فينا نقول أوفر بكتير، صار في مصروف». بهذه الجملة يبدأ علي الحاج حديثه لـ«القوس». يعمل الحاج في تصليح الدراجات النارية في محلّه في منطقة بئر حسن. يخبرنا بأن أعطال الدراجات في الفترة الأخيرة تزايدت ويعود ذلك إلى تدني جودة البنزين «اللي عم تخرّب الموتسيكلات بسرعة، في قطع عم نغيّرها بس من ورا البنزين»، مؤكداً أن البنزين في السوق «مضروب» أو يتم تخزينه لفترات طويلة، ولهذا يلجأ بعض الدراجين إلى زيادة مادة الأوكتان إلى البنزين ليدوم لمدّة أطول، بعدما تبيّن أنّه «يتبخّر» بسرعة.
وهذا ما أكده شاب كان في المحل، وهو سائق دراجة منذ أكثر من 10 سنوات ويعمل دليفري حاليًا، قائلًا: «كانت موتسيكلي تعمل حوالي 420 كلم بالتفويلة، هلّا أنجأ عم تمشّيني 225 كلم».
أمّا عن المصروف الثانوي فيقول: «كل 1000 كلم بدها غيار زيت، الدليفري عم يمشي الألف بأسبوع، وصار بدي كل يوم أكتر من 100 ألف بنزين، ما عم توفّي معي».