الشهود هم «عيون وآذان العدالة» (جيريمي بنثام)، وأساس نظام العدالة الجنائية. من خلال الإدلاء بشهادة، يؤدي الشاهد واجبًا مقدسًا لمساعدة المحكمة على اكتشاف الحقيقة. أغتيلت الشاهدة على جرائم العدو الإسرائيلي الصحافية شيرين أبو عاقلة، صباح الأربعاء الحادي عشر من أيّار 2022، برصاصة في الوجه، هي وترتدي الخوذة والسترة الصحافية. علماً ان استهداف القناصة الإسرائيليين للصحافيين هو اعتداء مباشر على حرية التعبير المصانة في مواثيق حقوق الانسان الدولية والإقليمية. لكن العدو، باغتيال أبو عاقلة وغيرها من الصحافيين، يسعى الى ضمان إتلاف أدلة الشهود على جرائم قوات الاحتلال الإسرائيلي وإرهابها. يستعرض هذا المقال تأثير «تصفية الشهود» في نظام العدالة الجنائية وعواقبه على معايير العدل والانصاف. لذلك، لا بدّ أن يؤمّن نظام العدالة الجنائية المساعدة وتدابير الدعم والحماية للشهود لتسهيل قدرتهم على المشاركة في نظام العدالة الجنائية والإدلاء بالشهادة المطلوبة إحقاقاً للحق وحفاظاً على سيادة القانون
جريمة القتل التي تُرتكب للقضاء على الشهود تشبه، تماماً، تنظيف مسرح الجريمة من آثار الدماء أو مسح البصمات عن زناد مسدس، وهي من الطرق التي يلجأ إليه المجرم للتخلص من أي أثر قد يرشد عنه، أو لتجنب الإدانة بمجرد القبض عليه، خصوصاً ان للشاهد دوراً محورياً في تقديم الجاني إلى العدالة. إذ إنّ المعلومات المقدمة من الشهود تعتبر جزءًا من الأدلة التي تساعد في تحديد ما إذا كان المتهم قد ارتكب الجريمة بالفعل.
من يقرأ الواقع القائم، يدرك أن اغتيال الصحافية شيرين أبو عاقلة ليس منفصلاً عن السلوك الاجرامي الإسرائيلي تجاه الفلسطينيين. بل إن الهدف غير المعلن لهذه الاعتداءات على الصحافيين في فلسطين المحتلة، وسابقاً في لبنان إبّان الاحتلال، هو التخلّص من الشهود الذين ساهموا في نقل الصورة الحقيقية لما يحدث على الأرض الواقع، وصورة الانتهاكات بحق الفلسطينيين، ووفّروا الكثير من الأدلة والمعلومات المرئية والمسموعة التي من شأنها أن تدين جرائم العدو الوحشية، مما قد يعرض السلطات الإسرائيلية للمساءلة والملاحقات القانونية من قبل المجتمع الدولي.
جعل تطور العلوم الجنائية وتقنيات التحقيقات العلمية من «ردع الشهود»، عن طريق القتل أو التهديد، أحد الطرق الوحيدة المتبقية لإضعاف التحقيق، عن طريق التخلص من أدلة يمكن أن تكون حاسمة في القضية، الأمر الذي غالباً ما يمنع المتهمين من توجيه الاتهام أو يؤدي إلى التخلي عن القضايا أو فقدانها في المحكمة.
تصفية الشهود يشكّل أبرز التحديات التي تواجه أنظمة العدالة الجنائية في التحقيق في الجرائم وملاحقة مرتكبيها، الأمر الذي يقوض قدرة وكالات انفاذ القانون على تفكيك الجماعات الإجرامية، وطرح عوائق ومشاكل في مساعدة وحماية الأشخاص الذين وقعوا ضحايا أو شهدوا جرائم خطيرة.
من جهة أخرى، للتخلص من الشهود عواقب ضارة على المجتمعات ونظام العدالة الجنائية بأكمله. بموت الشهود، وبالتالي عدم مشاركتهم في هذا النظام، لن تكون قوى إنفاذ القانون والمدعون العامون قادرين على محاسبة الجناة، ما يسمح للمجرمين بالبقاء أحرارًا ومواصلة ارتكاب الجرائم، ويمنع عائلات الضحايا من استعادة الشعور بالأمان. عندما تفلت الجرائم من العقاب، يعتقد الجناة أن بإمكانهم ارتكاب جرائم أكثر مع الإفلات من العقاب. فتتصاعد الأنشطة الإجرامية من دون رادع. ولذلك تأثير مباشر على الثقة في سلطات العدالة الجنائية من خلال الكشف عن مدى سيطرة المجرمين وشركائهم على سير العدالة.
يمكن أن يلعب توفير الحماية المناسبة والكافية للشهود دورًا حاسمًا في تقديم الجناة إلى العدالة لأن الاختتام الناجح لكل مرحلة من مراحل الإجراءات الجنائية القانونية غالبًا ما يعتمد على تعاون الشهود. ومن ثم، فإن «دليل الشاهد» أساسي لأي نظام عدالة جنائية. إذ لن يتم دائمًا العثور على أدلة مادية كافية. لذلك، فإن حماية الشهود خطوة مهمة خصوصاً في مكافحة جرائم العدو الإسرائيلي، لأن الطبيعة المغلقة للجيش الإسرائيلي، وقدرته على الافلات من العقاب كل مرّة، وغياب أي نوع من المساءلة، يجعل من الصعب استخدام أساليب التحقيق التقليدية معه. عندما يتعلق الأمر بجرائم العدو الاسرائيلي، سيحاول الجناة في كل مرة قتل عيون وآذان العدالة.
مع قتل الفلسطينيين لا يريد الإسرائيليون فقط ترخيصًا للإفلات من العقاب، بل أيضًا التزام الصمت أثناء تعرضهم للقتل. فمن خلال التصفية المُمنهجة للشهود، وتضليل الصورة الحقيقية لما يحصل على أرض الواقع، وفي ظل تغاضي المنظمات الدولية عن انتهاكات القانون الدولي وإضفاء «الشرعية» على إجرام سلطات الاحتلال الإسرائيلية، أصبح المجتمع الدولي مقتنعاً الآن بأن الفلسطينيين هم من يحاولون الاستيلاء على «الأراضي الإسرائيلية».
إعاقة العدالة من خلال تصفية الشهود
انتهاك حقوق الضحايا
◆
إخفاء الأدلة
◆
التأثير على المحققين والقضاة
◆
تضليل الحقيقة
◆
الإفلات من العقاب
◆
اهتزاز الثقة في نظام العدالة
◆
انتشار الفوضى والخوف
الطب الشرعي
اتّسم تصريح استشاري الطب الشرعي الدكتور ريان العلي، مدير المعهد العدلي في جامعة النجاح الوطنية الفلسطينية، حول مقتل شيرين أبو عاقلة، باحترافية مهنية عالية، وجاء وفقاً للمعايير العلمية الجنائية ومحافظاً على سريّة التحقيقات. صرّح الطبيب بأن «الرصاصة التي أصابت شيرين أبو عاقلة كانت قاتلة مباشرة، وتسببت بتهتك واسع للدماغ والجمجمة، والسلاح المستخدم من نوع سريع جداً»، من دون أن يعطي أي إجابات خارج نطاق خبرته العلمية والمهنية، تاركاً تحديد مسافة إطلاق النار ونوع الطلق وأدلة أخرى للخبراء في المعمل الجنائي.
فمن خلال دراسة جرح دخول الطلق الناري، والبحث عن وجود أي مخلفات ثانوية لإطلاق النار، سيكون الخبراء قادرين على تحديد مسافة إطلاق النار. كما يقوم الخبراء بمناقشة فرضيتي القتل المتعمد والقتل العرضي عبر الفحص الدقيق لظروف الجريمة، إذ ان شكل جرح دخول الطلق يلعب الدور الأهم للتمييز بين الموت العرضي والقتل، وتحديد مسار الطلق وزاوية إطلاق النار، وارتفاع الجاني. كما يقوم الخبراء بدراسة مخبرية مفصلة للمقذوف المشوّه الذي جرى استخراجه من رأس الضحية أثناء التشريح من أجل استخراج معلومات مهمة تفيد التحقيقات في تحديد الجهة المسؤولة عن اغتيالها